من صور حوران النضالية

أبا تمــام قــم وانظــر خطـانـــا ركبنا الشعر بعدك و الزمانا

و ما لانت قنــاة القـــوم يومـــا وساح المجد تشهده خطانا

ورثنا روعة الحــــرف المجلى وما ورثت قوافينـا الهـوانـا

زرعنا في بطون الأرض نسلا أبيـــا لا يـكــل ولا يـــدانـــى

فإنــا مـــن بني حــوران صــيد رضعنا البعــث إيمانا وشانا

على الأعقاب كم دحرت فرنسا وولت حيث قد كــرهت لقانا

فرشــنا الأرض أمـجادا عظاما و أدلجـنا إذا الغــازي دجـانا

وقـائــدنــا العظيـم لـه مــــــراد من الصيد الأشـم إذا دعانــا

ففيضي يا ذرا حوران عشـــــقا وفيضي نخوة فيضـي حنانا



من هذه الأبيات الجميلة التي تفيض عزا وفخارا برجولة وشهامة ووطنية أبناء حوران الأبية ننتقل لنلقي الضوء على بعض رجالات حوران الوطنين الذين ناهضوا وطردوا المستعمر الفرنسي منطلقين بادئ ذي بدء من مجلس الثورة الذي تشكل بحوران لمناهضة المستعمر الفرنسي وطرده وتحرير أرض الوطن وتطهيرها من دنسه :

أولا - مجلس الثورة :

لما زحفت الحملة الفرنسية العسكرية على منطقة حوران في أواخر أب سنة 1920 قام المجاهدون والزعماء في حوران بتشكيل مجلس الثورة من السادة :

1 – الشيخ إسماعيل الحريري شيخ مشايخ حوران من الشيخ مسكين زعيما لمجلس الثورة .

2 – السيد فارس الأحمد من دير البخت .

3 – السيد إبراهيم السليم الزعبي من المسيفرة .

4 – السيد طلعت الأحمد من اللجاة .

5 – السيد طلال أبو سليمان من اللجاة.

6 – السيد موسى العقلة من الغالية .

7 – السيد زعل عبد الغني الحريري من ابطع .

8 – السيد فاضل المحاميد من درعا .

9 – السيد مصطفى المقداد من بصرى الشام .
10 - السيد عبد المحسن زين العابدين من انخل

ثانيا - الشيخ إسماعيل الحريري يتولى قيادة الثورة والمجاهدين في حوران :

بعد أن تولى الشيخ إسماعيل الحريري قيادة الثورة أخذ الثوار يقضون مضاجع الفرنسيين في العديد من المعارك والمواقع نذكر منها كعركة الخيارة قرب الكسوة ومعركة غباغب وموقعة الكتيبة والدلي وقد الحق الثوار الجيش الفرنسي خسائر فادحة وكادوا يوقعون به كارثة كبرى لولا النجدات التي كان يتلقاها الجيش الفرنسي الذي اتبع سياسة الأرض المحروقة ودمر كل شيْ مما جعل من الشيخ إسماعيل دعوة مجلس الثورة للانعقاد وبحث الأوضاع التي حلت بحوران نتيجة الهمجية للاستعمار الفرنسي من قتل ودمار ونهب وسلب وأمراض وجوع وحصار شديد حيث توصل مجلس الثورة إلى ضرورة التفاوض مع جيش الاحتلال للتخفيف من معاناة الأهل في حوران بعد أن أقسم الجنرال غورو بتنفيذ ما قطعه على نفسه من وعود وعهود بكل صدق وأمانة إلا أن الخيانة والغدر كان دستور الفرنسيين آنذاك حيث امتلأت قلوبهم حقدا وغيظا من الحوارنة لمواقفهم وصمودهم وقدرتهم على الاحتمال والتحدي وقد حدد غورو آنذاك اليوم الأول من تشرين الأول سنة 1920 موعدا للاجتماع بزعماء الحوارنة في قرية الشيخ مسكين وهي مقر زعامة حوران التقليدية حيث انتشر الجيش الفرنسي من دمشق حتى قرية الشيخ مسكين وطلب غورو من معاونه أن يحشد أهل حوران في استقباله يوم الاجتماع إلا أن المفاجأة العظمة حين اقترب غورو من قرية الشيخ مسكين مكان الاجتماع لم يجد أحدا في استقباله مما أثار غضبه واضطرم قلبه حقدا على أهل حوران و دخل غورو إلى الشيخ مسكين مقطب الجبين وبدأ الحديث حول معاهدة الصلح

بين فرنسا و الحوارنة .

ثالثا – معاهدة الصلح بين فرنسا و الحوارنة(( معاهدة الشيخ مسكين)).1/10/1920:

أهم شروطها : - عدم فرض أية غرامة حربية على حوران فقد كفى ما حل بها من دمار وخراب .

- عدم التعرض للشرائع الإسلامية والتقاليد الدينية.

- عدم تجريد الآهلين من السلاح .



وما كان من غورو بعد أن اطلع على الشروط السابقة إلا أن يتوجه إلى الشيخ إسماعيل بقوله انك الزعيم الأعلى لشيوخ حوران واني أعتبرك المسؤول الأول عن ثورة حوران وان الشروط التي عرضتها تخالف الشرائع الإنسانية لذا فإني لا أوافق عليها . ومن هو الذي أوعز إلى شعب حوران أن لا يشترك باستقبالنا وقد جئنا نمنحكم العفو ،الحرية ، بصد عصيانكم على فرنسا العظيمة التي سحقت ألمانيا وهي أكبر دولة في العالم .

فجاوبه الشيخ إسماعيل الحريري : ((نحن ليس بوسعنا إكراه الشعب في حوران على استقبالكم بعد أن أصبحت دياره بلقعا ،وهي ليست نعمة فيحمد الله ويحمدكم عليها.

وما كان من غورو إلا أن يطلب من الشيخ إسماعيل الحريري بعد ما سمعه من جواب التنحي عن زعامة حوران فهناك من هو أجدر منه بالزعامة لتفهمه السياسة الفرنسية .

فأجابه الشيخ الحريري :إن الزعامة ليست ملك الدولة أو الحكام ينعمون بها عند الرضاء ويسلبونها عند السخط بل هي زعامة وراثية تقليدية في بيئتنا وان حوران بأجمعها لا تدين بالطاعة ‘إلا لمن يضع مصلحة البلاد العليا فوق مصالح الجميع . مما أدى إلى اعتقاله ومن معه ووضعهم في السجن .

رابعا – نزوح الشيخ إسماعيل الحريري وأبناء عائلته إلى الأردن عام 1925 :

لما وقعت الثورة السورية الكبرى عام 1925 أخذ الفرنسيون يتقربون من الحوارنة من أجل مؤازرة الجيش الفرنسي للقضاء على الثورة وعملوا على إقناع مشايخ حوران بأن ثورة جبل العرب تشكل تهديا مباشرا لأمن حوران وما كان من الشيخ الحريري إلا رفض كل هذه المطالب باسم أبناء وشيوخ حوران لإيمانهم المطلق بأن الثورة في جبل العرب هي ثورة وطنية للتخلص من الفرنسيين المستعمرين وما كان من الجنرال أندريا آنذاك إلا الضغط على الشيخ الحريري من أجل أن يقوم الحوارنة خلال ثلاثة أيام بالسير أمام القوات الفرنسية لمحاربة الثوار في جبل العرب وفي حالة الرفض سيكون المصير هو الإعدام .

وهنا برز دور الشيخ محمد خير الحريري ابن الشيخ إسماعيل الذي طلب من المستشار الفرنسي في درعا إعطائه مهلة ثلاثة أيام لإقناع والده بالسير مع الفرنسيين ضد ثوار جبل العرب وطبعا كان ذلك حنكة سياسية من الشيخ محمد خير الحريري لإنقاذ والده الشيخ إسماعيل الحريري من السجن حيث كان الشيخ محمد خير الحريري قد تهيأ مع والده الشيخ إسماعيل الحريري و أفراد العائلة واجتازوا حدود حوران إلى الأردن ترافقهم قوة مؤلفة من خمسين فارسا من فرسان حوران الأشداء واعتبرته الحكومة الأردنية لاجئا سياسيا .

ورد الفرنسيين على ذلك بقصف منزل الشيخ إسماعيل الحريري وإبادته والحكم على ولديه سالم ومحمد خير بالإعدام .

حيث شكل ولده سالم مع عدد من الثوار الحوارنة الذين كانوا في الأردن من أبرزهم المجاهد السيد مصطفى الخليلي عصبة من الثوار وأخذوا يقضون مضاجع الفرنسيين عبر الحدود إلى أن مهدوا إلى معركة داعل الشهيرة والتي برهن خلالها الاستعمار الفرنسي همجيته وحقده من خلال الدمار الذي ألحقه بالحوارنة آنذاك. وقد تبرع الشيخ إسماعيل الحريري بكل ما يملكه من أجل تأمين المعونة والمساعدة للمجاهدين .









خامسا –نضال أهل حوران حتى الاستقلال :

بقي الحوارنة عصيين على الفرنسيين حتى نيل الاستقلال 1945.

أخذ الشيخ محمد خير الحريري ومن معه من زعماء حوران بتقديم كل ما يلزم في سبيل خدمة الوطن ونيله استقلاله من خلال تأمين السلاح والمؤونة وتنظيم العمليات الجهادية ضد المستعمر الفرنسي في جميع أنحاء قرى حوران حيث تم الهجوم على الحامية الفرنسية في درعا والتي استسلم معظم أفرادها ولاذ الملازم كورو قائد الحامية بالفرار حتى تمكن الثوار في ازرع قرب محجة بزعامة المجاهد السيد على سالم الحريري ابن أخ الشيخ محمد خير الحريري من إلقاء القبض عليه ومن معه من أفراد الحامية وإحضاره إلى منزل الشيخ محمد خير الحريري في قرية الشيخ مسكين والذي تم تسليمه آنذاك عن طريق محافظ درعا السيد حيدر مردم بك و السيد حسن الطباع قائد مقام ازرع . ولم يقتصر النضال للحوارنة على الصعيد الوطني بل تجاوزه إلى الصعيد القومي حيث شكل الشيخ محمد خير الحريري جيشا شعبيا بإمرة ابن أخيه السيد علي سالم الحريري وأرسله إلى أرض فلسطين منطقة صمخ لمواجهة الاحتلال الاستيطاني اليهودي على ارض فلسطين وكان ذلك عام 1948.

والنضال مستمر في حوران وربوع سورية بجهود أبناءها الطيبين في سبيل رفعة وعزة وكرامة الوطن حتى تحرير ترابه المحتل والأراضي العربية المحتلة تحت راية قائد مسيرة التحديث والتطوير سيد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد
المحامي

بشار نورس الحريري



المرجع :

- مجلة العمران عدد عام 1970

- تاريخ حوران النضالي